الى الجنوب زحفا _ خالد عمامي
الى الجنوب زحفا..
ظل الكهف بارد،، جدران الكهف لا يمكن التثبت من حدودها، أنا لا أعلم نهاية هذا الكهف ولا أعلم موقعه بالتحديد، كنا ثلاثة فقط تصلنا التعليمات المشفرة عبر ارساليات* اس أم أس* حيث تم تزويدنا بثلاث وريقات بعد أن تم التنبيه علينا بعدم فتح المظروف الذي سلم لكل واحد منا على حدة، كنا نجهل وجود بعضنا و انطلقت العملية بغموض شديد الى حد الريبة في جديتها. المنسق العام، أو هكذا أطلقت عليه هذه الصفة، اشترط عند تقدمي بطلب المشاركة في العملية أن لا أسأل، لا أعلق، لا أستعجل ولا أفكر أن هناك أصلا عملية، فقط أنتظر التعليمات* بالأس أم أس*.آه المدة الزمنية تم التأكيد على أنها مفتوحة نظرا لعدة اعتبارات يطول شرحها، ان المنسق العام شخصية محورية في ذهني رغم ما تركه الغربال من تأثير في رؤيتي للعملية زاد7.آه نسيت أن أعلمكم عن شخصية الغربال، انه شخصية ظريفة جدا، فهو قصير الى حد لا يمكن اعتباره راشدا، فهو أقرب منه الى طفل الأحدى عشر ربيعا، يافعا، نشطا وصاحب نكتة؛ دائم الذهاب والاياب الى عديد الاتجاهات، عيناه لا تهدآن من البحث عن شيئ أضاعه ولكن لا يعلم من صفاته شيئا؛ فهو يمكن أن يفاجئك بسؤال يربكك، مثل "هل تقابلت مع ابن خالة أمك الذي يخدم في الحاكم". ويذكر اسمه واسم أمه وأمهات من درسوا معه وأسماء صديقاته؛ فأجيبه: -" لا، لم ألتقي بأحد يعمل في الحاكم ". كنت أستغرب حصوله على هذه المعلومات التي أجهلها عن نفسي وعن تفرعات عائلتي، فكنت أرجع الى أمي وأسالها عن المعلومات التي وصلتني من الغربال عن عائلتي فتؤكد أمي هذه المعلومات وتنهال علي بالأسئلة بدورها، لماذا أسأل عن فلان؟ هل تقدم لخطبة أختك؟ أو هل أنت ستتقدم لخطبة أخته؟ وهات من هذا "البوبلي". نعم ان الغربال شخصية أساسية لانجاح عملية الاجتياح زاد7، بعد مدة تجاوزت الستة أشهر سلمني الظرف الحامل لتأشيرة الانتداب للمشاركة في العملية زاد7ّ،ّ هكذا اذن فالغربال هو المدير المركزي المكلف بانتداب المهارات البشرية التي ستشارك في العملية؛ فعليه يتوقف صلاح الموارد البشرية لمؤسسة الاجتياح الليلي؛ نعم لولا الغربال لما تسلمت ظرف التعليمات الذي بعد قرائته عدة مرات لكلماته المائة؛ لم أفهم منه شيئا عدا أمل كبير احتل كياني باطلاعي على هذه الكلمات الدرر مثل خارج..... يمين.... اصعد...... ازحف.... تربع ملتفتا الى الجنوب..... الخ، حيث لم أكمل بمجرد قرائتي لجملة" تربع ملتفتا الى الجنوب" لماذاماتفتا الى الجنوب؟..أنا أريد الذهاب الى الشمال؛ لماذا ألتفت الى الجنوب ؟ أو تلك التعليمة التي ذيل بها الكاتب ورقة جواز سفري - ازحف زحف الجنود ولا ترفع رأسك ولا تلتفت يمينا أو شمالا وخذ اتجاه الجنوب وبعد خمسة مائة متر تقريبا انزع ربطة العين وانتصب فانت في كهف* لمبيدوزا*- مما عكر صفو ذهني، تلك الجملة المحشوة شماتة بي أنا، تلك الجملة التي تقول .." خذ اتجاه الجنوب ".. لماذا اتجاه الجنوب؟ هل كتب علي أن أجد نفسي تحت رحمة الجنوب كلما أردت الذهاب الى الشمال؟ انني صرت في حالة نفسية سيئة من كثرة التعليمات التي تعاكس اتجاهي؛ ذلك الاتجاه الذي سكن رأسي من قبل أن أولد، ذلك الاتجاه الذي نموت ونحيا عليه سواءا كنا من ذوي الشهادات العليا أو ممن رسبوا في امتحان* السيزيام* سواءا كنا محتاجين أوأغنياء؛ فالكل يتغنى بهذا الاتجاه، فلماذا يتم الصاق اتجاه الجنوب المنكوب بي؟ ولماذا لا يحذف هذا الاتجاه ويصبح عندنا ثلاثة اتجاهات فقط؛؟ شرق ونحن مجبورين به لأن الشمس تشرق منه و الغرب لأن الرفاه و بحبوحة العيش متوفرة هناك ؛أما الشمال يبقى لأن زحف الأفراد و الجماعات دائما يقع باتجاه الشمال الخصب و ما تبقى يمحى من مراجع الاتجاهات و هكذا لن يقع ذكر هذا الاتجاه في مظروف التعليمة و بذلك أكون في راحة نفسية، ان ظلمة الكهف أهون علي من قراءة هذه التعليمة. وصلنا ثلاثة تباعا ولا يمكننا رؤية بعضنا لحلكة ظلام الكهف ؛ انتابني شعور بالغربة لم أتذوقه منذ أن علمت بوصول المصاحبين وتحولت هواجسي تدريجيا الى قلق لتواجد نفرين وربما ذلك الشعور طبيعي لطبيعة العملية واختلت بي مخاوفي وبدأت أبصر في الظلمة الحالكة و أسمع تنفس مرافقي وكأنهما دواب في زريبة ؛فجأة انسابت كلمات أحد المرافقين بنبرة حازمة وقاطعة وجازمة "يا جماعة أنا راني نخدم في .... "وانحب *انقطع* و بحكم عملي أنا على علم بأن المنسق العام والغربال هما من الجهات المختصة في مكافحة عمليات التهجير ،وهم يبغون الكشف عن* الكابو* الكبير والحال هكذا؛ فأنتم مخيرون بين ترقب خبراء مكافحة العملية زاد7 أو الالتحاق بي مع العلم ان التسعيرة تتضاعف وتغيير مكان التجمع يبدا بعد ساعة من الان" -قفز الى بالي لحظتها أن أسأله عن الاسم الذي يمكن ان نطلقه عليه- فانتزعني صوته من قاع الكهف "يمكن مناداتي" بالمنقذ" والتعليمات ستصلكم أولا بأول دون الاعتماد على الهواتف الجوالة أو الورق؛ فهذه الاشياء وكل ما تحملونه من أوراق ثبوتيه أو مؤونة يقع تركه هنا والكل ينسى اسمه لأنه لن يحتاج اليه بعد الان." تقبلت الوضع دون اهتمام ،فجالت في أقبية جمجمتي بعض الأفكار العابرة مثل ما أهمية اسمي، فالمؤكد لم أختره ولم أتعلق به كثيرا وما أهمية هذه الأوراق الثبوتية التي كثيرا ما كنت محرجا من وجودها بجيوبي، نعم، تقبلت الأمر وكأنه نتيجة بديهية لدرس فلسفة لا يترك لك مجالا للرد. انتهت الساعة وخرجنا زحفا من الكهف الذي لم أعرف شكله من الداخل والخارج عدا رائحة رطبة وخانقة. خطونا خطوات قليلة و لفني صوت أشج يدمي الأذن وينفرها في الأصوات " هيا اركضوا باتجاه الجنوب".. وسقطت تلك الكلمات المشؤومة على دماغي الذي فقد كل وزنه داخل الكهف واندفعت اتجاه الصوت وارتطمت بشخص لم يبن منه شئ يمكن مسكه عدا رأسه الذي وقع صدفة بين يدي فانهلت عليه برأسي ضربا مبرحا ؛ آه الدم يغزو كل جسمي، اني أسمع سيول الدم بعروقي.آه قد احتل النمل دماغي وملأ الصراخ المكان وتبينت صوتي وكأنه يأتي من جهة الشمال أضرب،آه يقول" تقدم الى الجنوب" انه لا يفقه مشكلتك وهو لا يعي الاتجاهات ولا تعني له شيئا، اضرب لكي يسكت الى الأبد ولا يكرر" اتجه الى الجنوب" الى" الجنوب تقدم "كنت في خضم معاركي فاذا بمنبه *البورطابل* يرن ويكرر الرنين؛ أفقت مرتعدا فوجدت نفسي متمددا على أريكة و أمامي جهاز التلفزة يبث شريطا سينمائيا لا لون ولا طعم له؛ هل أنا وصلت الى* لمبيدوزا* الحبية اللي كلات الحي والميت، أم أنا لم أغادر غرفتي؟
**أقصوصة بقلم خالد عمامي -قليبية -2007 تونس
مقالات
اضف تعليقاً عبر:
الابتسامات