أَنفَاسٌ تَحتَ الرُّكَامِ _ بن مبارك نعيمة
//....أَنفَاسٌ تَحتَ الرُّكَامِ....//
ـــــــــــــــ
سَلَامًا بِلَادَ الوَجَعِ وَ الخَرَابِ،
وَ مَأوَى اليَتَامَى وَ مَقصِدَ الجِهَادِ
وَ أَرضَ القُبُورْ
غُيُومُ السَّحَابِ؛ فَرَوَتِ الثَّرَى الجَائِعَ بِالدَّمِ
لِتُزهِرَ البُذُورْ
لِبَرَاءَةٍ أُعدِمَت
عَلَى حُمرَةِ الفَجرِ فَغَسَلَت بَقَايَا
الشَّهِيدِ؛ لِتَجمَعَ رَذَاذَ الجُذُورْ
فَمَا عَادَ الدَّمُ أَحمَرَا وَ القَصفُ أَشعَلَ نَارًا،
وَ أَشلَاءُ القَتلَى مُبَعثَرَةٌ
كَسَرَيَانِ الدَّمِ بِالصُّدُورْ
فَكُلُّ المَآذِنِ هُدِّمَت وَ المَسَاجِدُ..
هَا هِيَ اليَومَ حُفرَةٌ لِكُلِّ
"غَزَوِيٍّ" غَيُورْ
جَائِعٍ مَرِيضٍ عَارٍ مُشَرَّدٍ
فَوقَهُ رَاجِمَاتٌ وَ حَولَهُ
خُوَّانٌ وَ يُمنَعُ العُبُورْ
وَ سَقَطَ القِنَاعُ عَن عَرَبٍ
هَمُّهُم بُطُونُهُم،
وَيُبَذِّرُونَ الدُّولَارَاتِ وَ يَسكُنُونَ القُصُورْ
عَرَبٍ يَلهَثُونَ خَلفَ طَائِرِ "الحَبَارَى"؛
لِيُشبِعُونَ غَرَائِزَهُم
وَ يُرَبُّونَ لَهَا الصُّقُورْ
فَأَفَلَ الحَيَاءُ وَ رَقَصَ الخَجَلُ
سَافِرًا وَ الطَّبلُ يُدَقُّ
بِأَيَادِي أَهلِ الشُّرُورْ
وَ جَفَّت غَيمَاتُ الشِّتَاءِ
وَ أَزهَرَ الرَّبِيعُ فَجأَةً
بِكُلِّ أَنوَاعِ الزُّهُورْ
صُمُودٌ وَ صَبرٌ وَ صِيَاحٌ
بَينَ الأَزِقَّةِ
يَملَأُ السَّاحَاتِ وَ غَيَاهِبَ الدُّورْ ....
فِي كُلِّ دَربٍ حَزِينٍ
أَحَاسِيسٌ زَاحِفَةٌ وَ قَد مَاتَت
بِوَطَنِهَا المُرُوءَةُ وَ انتَحَرَ الشُّعُورْ
وَ رَفرَفَت ثِيَابُهَا كَرَايَاتٍ
لَطَّخَتهَا دِمَاءُ الضَّحَايَا؛
فَانكَشَفَ عَنهَا المَستُورْ
وَ صَفَّقَتِ الأَيَادِي أَشلَاءً
وَ غَنَّى لَهَا دَوِيُّ القَذَائِفِ؛
فَتَطَايَرَ رَاقِصًا كُلُّ عُضوٍ مَبتُورْ
وَ أَصبَحَ الرُّكَامُ بُيُوتًا وَ شَظَايَاهُ أَسقُفًا،
فَاختَفَى الفَرَحُ وَ حَلَّ الحَزَنُ
وَ القَرحُ هُنَا وَ هُنَاكَ يَدُورْ
وَ تَغسِلُ عَارَ عُربِ هَذَا الزَّمَانِ
تَكبِيرَاتُ الجِهَادِ مِن زَوَايَا
الجُدرَانِ وَ مِن تَحتِ القُبُورْ
وَ حَتَّى مِن تَحتِ الخِيَامِ
فِي عُمقِ المُخَيَّمَاتِ غَسِيلٌ
أَينَ يَئِنُّ القَلبُ المَكسُورْ
وَ تَصرُخُ البَرَاءَةُ مُتَوَجِّعَةً كَطَيرٍ
ضَعِيفٍ صَارَعَتهُ
أَقوَى النُّسُورْ
وَ قَد تَخَلَّى عَنهُ إِخوَتُهُ؛
فَتَقَاسَمَتهُ مَخَالِبُ الصُّقُورْ
وَ فِي غَزَّةَ الجِرَاحُ وَ النَّزِيفُ،
وَ بَينَ أَزِقَّتِهَا تَفُوحُ رَوَائِحُ المَوتِ
كَالمِسكِ وَ الطِّيبِ
وَ البُخُورْ
غَزَّةُ يَا جَرِيحَةَ الزَّمَنِ المَنفِيِّ،
يَا حِكَايَةً كُتِبَت بِالدَّمِ بِأَحرُفِ الوَجَعِ
وَ الأَلَمُ يُنثَرُ مَا بَينَ السُّطُورْ
مَهلًا أَيُّهَا الدَّهرُ تَوَقَّف لَحظَةً !!!...
عَرُوسُ فِلِسطِينَ مَا زَالَت عَزبَاءَ
عَبرَ العُصُورْ
وَ إِن تَرَمَّلَت غَدرًا سَتَبقَى مَنبَعَ
الكِفَاحِ مِن الأَقصَى إِلَى
أَعمَاقِ البُحُورْ
رَغمَ الدَّمَارِ تَتَنَهَّدُ الأَنفَاسُ
لِتُخبِرَ العَالَمَ عَمَّا
هُنَاكَ يَدُورْ ...
ـــــــــــــــ
بقلمي__بن مبارك نعيمة
اضف تعليقاً عبر:
الابتسامات